الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: إعراب القرآن **
يترك همزها أبو عمرو وما لا يترك همزها واعلم أن أبا عمرو يترك الهمزة الساكنة في الأسماء والأفعال نحو: الكاس والفاس ويومرون وياكلون ويومنون ويوفكون ويالمون كما تالمون وما أشبه ذلك في أربعين موضعاً فيها ثلاث وثلاثون لا خلاف عن أبي عمرو في همزها وهو ما يكون للجزم والوقف أو يخرج بتركه من لغة إلى لغة أو من معنى إلى معنى أو يكون بترك الهمزة أثقل من الهمزة. فأولها في البقرة: أنبئهم وفيها: أو ننساها. وفي آل عمران: تسؤهم. وفي النساء: وفي الأعراف: أرجئه. وفي التوبة: تسؤهم. وفي يوسف: نبئنا. وفي إبراهيم: وفي الحجر: نبئ عبادي وفيها: ونبئهم. وفي بني إسرائيل: اقرأ كتابك. وفيها: وفيها: وفي الكهف: وهيء ويهيء. وفي مريم: ورئياً. وفي الشعراء: إن نشأ ننزل وفيها أرجئه. وفي الأحزاب: و تؤوي إليك. وفي سبأ: وفي فاطر: وفي يس: وإن نشأ نغرقهم. وفي حم عسق: وفي النجم: أم لم ينبأ. وفي القمر: نبئهم. وفي المعارج: تؤويه. وفي البلد: مؤصدة. وفي العلق: اقرأ باسم ربك واقرأ وربك. وفي الهمزة: مؤصدة. وأما السبعة الباقية فهي ستة أسماء وفعل: فالأسماء: البأس والكأس والرأس والضأن والذئب والبئر. والفعل: يألتكم.
وقد أكد بعض ذلك وبعضه لم يؤكد فمن ذلك قوله: اسكن أنت وزوجك الجنة عطف وزوجك على الضمير في اسكن بعد ما أكد بقوله أنت. وقال: فاذهب أنت وربك فأكد. وقال: سميتموها أنتم وآباؤكم. ومما أكد من ذلك من غير تأكيد بأنت ولكن بشيء آخر: قوله: فأجمعوا أمركم وشركاؤكم فيمن رفع أكد بالمفعول دون أنتم و المفعول يقوم مقام أنتم ثم عطف على قوله: وشركاؤكم. ومن ذلك: فاستقم كما أمرت ومن تاب معك معطوفاً على الضمير في استقم وقام قوله كما أمرت مقام التأكيد ويجوز أن يكون من في موضع النصب مفعولاً معه. ومن ذلك قوله: جنات عدن يدخلونها ومن صلح يجوز في من الرفع والنصب على ما تقدم. وقد قلنا في حذف المضاف: مذهب أبي علي في من أن التقدير: ودخول من صلح من آبائهم وأزواجهم. فأما قوله تعالى: فقد قال أبو علي في التذكرة: قوله: هو مرتفع بالابتداء وليس بمحمول على الضمير الذي في استوى. فإن قلت: فإن استوى يقتضي فاعلين ألا ترى أنك تقول: استوى زيد وعمرو فإن هذا المفعول يكون على ضربين: الأول: ما ذكرنا. والثاني: أن تقتصر به على فاعل واحد كقوله: على العرش استوى وإذا احتمل ذا لم يكن لمن زعم أن الضمير المرفوع يعطف عليه من غير أن يؤكد دلالة في هذه الآية لاحتمالها غير ما ذكر وهو ما حملناه عليه. وهذا القائل هو الفراء لأنه قال: المعنى: استوى النبي وجبريل عليهما السلام بالأفق الأعلى ليلة المعراج حين أسري به صلى الله عليه وآله. ومنه قوله تعالى: إذا كنا تراباً وآباؤنا عطف آباؤنا على الضمير في كنا لمكان قوله: تراباً. وأما قوله: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين فيمن رفع العين. وجوز فيه أبو علي: أن يكون العين مرفوعاً على الابتداء والجار خبر وجوز أن يكون محمولاً على موضع أن وجوز أن يكون رفعاً عطفاً على الضمير الذي في الظرف وإن لم يؤكد. كما جاء ما أشركنا ولا آباؤنا فعطف آباؤنا على الضمير الذي في أشركنا كما قال: ولم يؤكده فكذا هاهنا. فإن قلت: إن لا يقوم مقام التأكيد فقد قال في الجواب: إنما يقوم لا مقام التأكيد إن كانت قبل الواو فأما إذا جاءت بعد الواو لم تقم مقام التأكيد ألا ترى أن التأكيد في الآي التي تلونا قبل الواو نحو: اسكن أنت وزوجك وقوله: فاستقم كما أمرت. وهذا من أبي علي استدراك على البصريين قاطبة لا سيما وسيبويه قال في الآية الأولى: إن قوله: ولا آباؤنا بمنزلة: قمت أنت وزيد فلا يرى العطف على المضمر إلا بعد التأكيد والتأكيد بأنت وأنا أو ما يقوم مقامهما من المفعول وغيره. ولم يروا التأكيد بقولهم نفس فلم يجيزوا: قمت نفسك وزيد كما أجازوا: قمت أنت وزيد وقمتم أجمعون وزيد. قالوا: لأن النفس اسم متصرف تدخلها العوامل بخلاف: أنت وأجمعين. وقد يقع في التأكيد بها ليس في بعض كلامهم كقولهم: هند خرجت نفسها فيكون كقولك: خرجت هي نفسها فيكون تأكيداً لهي ويقال: هند خرجت نفسها فتكون الفاعلة كما تقول: خرجت جاريتها والمعنيان مختلفان فلم يجر مجرى أجمعين. ومن هنا قال أبو علي: لو قلت جاءوني أنفسهم لم يحسن حتى تؤكد فتقول: جاءوني هم أنفسهم لمل ذكرنا. فلم يحسن لذلك أن تحمله على الضمير حتى تؤكد يعني حتى تقول: قمت أنت نفسك وزيد. ولو قلت: مررت بك نفسك جاز تأكيد الكاف بالنفس لأنك كأنك قلت: مررت بنفسك ولم تذكر المؤكد بخلاف العطف إذ لا يجوز: مررت بك وزيد. وإن قلت: جاءوني أنفسهم لا يجوز لأن المضمر المتصل في غاية الضعف والمؤكد متبوع فيكون أقوى من التأكيد وهنا النفس أقوى من المضمر فلا يكون تابعاً له فإذا انفصل المضمر جاز أن تكون النفس تابعاً له بمنزلة الأسماء الأجنبية أو بقيت بعدها بمنزلة أخرى بخلاف المتصل إذ ليس بعدها منزلة أخرى. وقد ذكر سيبويه امتناع تأكيد المضمر بالنفس في ثلاثة مواضع في حد أسماء الأفعال. وفي حد الأحرف الخمسة. وفي حد علامات المضمرين. ومن ذلك قوله تعالى: ومنه إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة رفع عطف على الضمير في تقوم. ومن ذلك قوله: وإن شئت كان مبتدأ والتقدير: وأخي كذلك فحذف الخبر ولا يكون جراً بالعطف على الياء لأنه مضمر مجرور. ما جاء في التنزيل لحقت إن التي للشرط ما ولحقت النون فعل الشرط فمن ذلك قوله تعالى: فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي. وقال: فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نرينك. وقال: وقال: قال أبو إسحاق: إعراب إما في هذا الموضع إعراب حرف الشرط والجزاء لأن الجزاء إذا جاء في الفعل معه النون الثقيلة والخفيفة لزمه ما وفتح ما قبل النون في يأتينكم لسكون الياء وسكون النون الأولى. قال أبو علي: ليس الشرط والجزاء من مواضع النونين إنما يدخلان على الأمر والنهي وما أشبههما من غير الواجب. وفي قوله لأن الجزاء إذا جاء في الفعل معه النون الثقيلة والخفيفة ما يوهم أنه من مواضعهما في الكلام في الكلام وأن دخولها مساغاً فيه وإنما يلحق الشرط في ضرورة الشعر كقوله: من يثقفن منهم فليس بآيب أبداً وقتل بني قتيبة شافي وكذلك الجزاء كقوله: وهذا كقوله: يحسبه الجاهل ما لم يعلما وإن في الجزاء أمثل لأنه بغير الواجب أشبه ألا ترى أنه خبر غير مبت كسائر الأخبار. وفي هذا الكلام شيء آخر وهو أن قوله: الجزاء إذا جاء في الفعل معه النون الخفيفة والثقيلة لزمه ما يوهم أن ما لزمت لدخول النون وأن لحاق النون سبب لحاق ما والأمر بعكس ذلك وخلافه لأن السبب الذي له دخلت النون الشرط في قوله: فإما يأتينكم مني هدى فإما ترين من البشر أحداً وإما تعرضن عنهم ونحو ذلك عند النحويين إنما هو لحاق ما أول الفعل بعد إن فلذلك صار موضعاً للتنوين بعد أن لم يكن لهما موضع. وإنما كان كذلك عند سيبويه وأصحابه لمشابهة فعل الشرط بلحاق ما به بعد إن دون أخواتها الفعل المقسم عليه ولمشابهة كل واحد منهما صاحبه في معنى التوكيد بهما فسبب لحاق النون دخول ما على ما يذهب إليه النحويون وكان لزوم النون فعل الشرط الوجه لدخول الحرف قبله إذا كان في خبر غير مبت. فإن قيل: لم لزمت النون فعل الشرط مع إن إذا لحقتها ما دون سائر أخواتها وهلا لزمت سائر أفعال الشرط إذا دخلت على حرف المجازاة ما كما لزمته مع إن إذ ما ذكروه من الشبه ليفعلن موجود في سائر الحروف وقد جاء: ألا ترى أن للاسم من القدمة على الفعل ما للفعل على الحرف فيقبح لذلك ترك توكيد الفعل مع الاسم كما قبح ترك توكيده مع الحرف. فإن قلت: فما الذي يدل على أن التوكيد لاحق للحرف وما ننكر أن يكون لحاقه للفعل دون الجزاء فيكون الفعل مؤكداً من أوله إلى آخره مثل ليفعلن فالذي يدل على لحاقه حرف الجزاء دون الشرط أن الوقف عليه وأن أحداً لم يقف على إن وحدها في نحو: وإما تخافن من قوم خيانة فيستأنفوا ما مع الفعل كما استأنفوا بلا مع الفعل كقوله: ويدل أيضاً على لحاقها للحرف دون الفعل: أنها قد لحقت الحروف أيضاً في نحو: ألا لتما هذا الحمام لنا وفي الإدغام أيضاً تقوية لأن الكلمة لو نوي بها الانفصال جاز فيها الإظهار كما جاز في من ما وما أشبهه. وكل هذا يدل على أن التأكيد لاحق للحرف وإذا أكد الحرف الذي لا يستقل إلا بالفعل بعد إن لا يؤكد الفعل فافترق فعل شرط إن وفعل شرط سائر الحروف في لزوم النون لها مع ما لاقترانهما فيما ذكرنا. فهذا الذي ذكرناه يصلح أن يحتج به من زعم أن النون لازمة للشرط إذا لحقت ما إن الجزاء. وقد قال أبو العباس وخالفه في ذلك سيبويه فقال: إن ما إذا لحقت إن الجزاء تبعه الفعل منوناً بإحدى النونين وغير منون بهما كما أن سائر الحروف كذلك. وإذا لم يلزم النون مع إن كما لم يلزم في الحروف الأخر نحو: أينما تكونوا لم يلزم على قوله الفصل بينهما كما لزم في قول من زعم أن النون لازمة. وقد استقصينا الخلاف في هذا والله أعلم.
اكتفاء بذكره عن صاحبه. وقد ذكر ذلك سيبويه في الكتاب واحتج بأبيات وربما أسوقها لك بعد البداية بآي التنزيل. فمن ذلك قوله تعالى: ومن ذلك قوله: وقال: ولو صرح بهذا لصح وجاد: له وبه. فكذلك إذا قال بلفظة: أو ما. فأما قوله: وقوله: فهذا على قياس الآيتين المتقدمتين حقهما: فالله أولى به وحرمه ولكنه جاء على قولهم: جالس الحسن وابن سيرين على معنى أنه يجوز له مجالستهما. ومثل هذا قد جاء في الشعر أنشدوا لرجل من هذيل: وكان سيان ألا يسرحوا نعماً أو يسرحوه بها واغبرت السوح وأنت تقول: سيان زيد وعمرو ولكنه قال: أو يسرحوه على ما ذكرنا. ومن ذلك قوله: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها ولم يقل: ينفقونهما. وقال: والنخل و الزرع مختلفاً أكله ولم يقل: أكلهما. وقال: وقال: فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه فيمن قرأ بالتاء ولم يقل: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف ولم يقل: بما عندنا راضون اكتفاء بالثاني عن الأول. وقال: رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئاً ومن أجل الطوى رماني وقال: وكان وأنت غير غدور فأحفظها.
عن نقصان لحق الكلمة وذلك إنما يجئ في أكثر الأحوال في باب المؤنث فيقولون: قامت هند فإذا فصلوا بينهما قالوا: قام اليوم هند. فمن ذلك قراءة أكثرهم: ولا يقبل منها شفاعة قالوا: إن التذكير أحسن لمكان الفصل وقد قرئ أيضاً بالتاء ولم يعتد بالفصل. كما قال: وقال: وأخذت الذين ظلموا الصيحة. وقال: فأخذتهم الرجفة. وقال: ولم تكن له فئة ينصرونه فيمن قرأ بالتاء. وقال: وتكون لكما الكبرياء فيمن قرا بالتاء وهم الأئمة السبعة إلا حماداً رواه عن عاصم بالياء. وقال: فأخذتهم الرجفة. وقال: أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها. وقال: أو لك تأتهم بينة ما في الصحف الأولى. وقال: لا تحل لك النساء فيمن قرأ بالتاء. هذه الآي ونحوها لم يعتد فيها بالفصل كما اعتد به في قوله: وقوله: ومما اعتد فيه بالفصل قوله تعالى: قال أبو علي في قوله: ص والقرآن ذي الذكر وهو يبطل قول الفراء: إن قوله كم أهلكنا جواب القسم وإن التقدير: لكم أهلكنا قال: هذا لا يجوز لأن اللام على هذا الحد داخلة على الفضلة. ثم قال: فإن قال قائل: ما ننكر أن تكون اللام التي دخلت على الأفعال مرادة في كم محذوفة لطول الكلام وإن دخولها في كم العامل فيه أهلكنا بمنزلة دخولها على إلى المتعلقة بالفعل المنتصبة الموضع به في قوله: لإلى الله تحشرون. وكما جاز دخولها على الجار المنتصب الموضع كذلك يجوز دخولها على كم المنتصبة الموضع. ثم قال: الجواب عندي أن التقدير بهذه اللام في قوله: لإلى الله تحشرون. ألا ترى أن القسم إنما وقع على أنهم يحشرون لا على الجار والمجرور وإنما دخلت اللام على الحرف الجار لتقدمه عليه ولم تدخل إحدى النونين على الفعل لوقوعه على الحرف وجاز دخولها على الحرف في كلا الموضعين إذ المراد به التأخير كما جاز دخول لام الابتداء في مثل: إن زيداً لطعامك آكل إذ المراد به التأخير إلى الخبر. فإذا كان التقدير ما ذكرنا لم يجز أن يكون كم أهلكنا بمنزلة لإلى الله تحشرون في جواز دخول اللام عليها كدخولها في كم إذا كان دخولها في قوله لإلى الله تحشرون بمنزلة دخولها على الفعل وعلى حسب ما تكون عليه هذه اللام في سائر مواضعها ومتصرفاتها فليس يسوغ تقدير دخولها على الفعل في كم والفصل الذي وقع بين اللام وبين تحشرون صار عوضاً عن دخول النون. ومما يجري مجرى الفصل: المفعول الواقع بين المعطوف و المعطوف عليه في نحو قوله: فاستقم كما أمرت وقوله: فأجمعوا أمركم وشركاءكم. صار المفعول هنا عوضاً عن إبراز الضمير في نحو قوله: اذهب أنت وربك وهكذا قال: ما أشركنا ولا آباؤنا. المتمم الثلاثين ما جاء في التنزيل وقد حمل فيه اللفظ على المعنى وحكم عليه بما يحكم على معناه لا على اللفظ فمن ذلك قوله تعالى: قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين. من وقف على قوله فاقع وجعا فاقعاً تابعاً لصفراء ابتدأ لونها ورفعها بالابتداء وجعل قوله تسر الناظرين خبراً عنها. وإنما قال: تسر ولم يقل: يسر حملاً على المعنى لأن قوله لونها: صفرتها فكأنه قال: صفرتها تسر الناظرين. ومثله قوله تعالى: فعدى رفثاً بإلى حملاً على الإفضاء وكما قال: أفضى بعضكم إلى بعض كذا قال: الرفث إلى نسائكم. ومثل ذلك قول أبي علي في قوله تعالى: ثم قال: أن يؤتي أحد فقال: هذا محمول على المعنى لأنه لما قال: ولا تؤمنوا كأنه قال: أجحدوا أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم ومثله: وقال: ومن هذا الباب قوله تعالى: في الرقاب لم يعطف على الفقراء لأن المكاتب لا يملك شيئاً وإنما ذكر لتعريف الموضع والغارمين عطف على الفقراء إذ لا يملكون وفي سبيل الله مثل قوله وفي الرقاب لأن ما يخرج في سبيل الله يكون فيه ما لا يملك المخرج فيه مثل بناء القناطر وعقد الجسور وسد الثغور وقوله وابن السبيل عطف على اللام في الغارمين أو في ابن السبيل لم يكن سهلاً. والمكاتب عبد لقوله: ومن هذا الباب قوله تعالى: وكذلك هل من خالق غير الله فيمن رفع. وكذلك قوله: كان ذلك كله محمولاً على المعنى إذ المعنى: ما لكم إله غيره وهل خالق غير الله وما يعزب عن ربك مثقال ذرة. ومثله: ثم قال: واحد فجاء قوله ومن الذين قالوا على المعنى لا على اللفظ. ومن ذلك قوله تعالى: وكذلك قوله تعالى: وقالوا في قوله تعالى: وقال مجاهد: بل الإنسان على نفسه شاهد: عينه وياه ورجلاه فيكون الإنسان مبتدأ والظرف فيما ارتفع به خبر والهاء العائد من الجملة إلى المبتدأ وهو المجرور بالإضافة كما تقول: زيد في داره عمرو. وعكس الأول قول الحطيئة: ثلاثة أنفس وثلاثة ذود لقد جار الزمان على عيالي حمل الأنفس على الأشخص كأنه قال: ثلاثة أشخص. ومنه قوله تعالى: أنث العشر لما كان الأمثال بمعنى: الحسنات حمل الكلام على المعنى. ومن ذلك قوله: عدي ترى بإلى حملاً على النظر كأنه قال: ألم تنظر. وإن شئت كان المعنى: ألم ينته علمك إلى كذا. وعكس هذا قوله: ومن الحمل على المعنى قوله: أو كالذي مر على قرية بعد قوله: إلى الذي حاج كأنه قال: أرأيت كالذي حاج إبراهيم في ربه أو كالذي مر على قرية فجاء بالثاني على أن الأول كأنه قد سيق كذلك. ومنه قوله تعالى: ومن ذلك قوله تعالى: ويهديهم إليه سراطاً مستقيماً. الهاء في إليه يعود إلى ما تقدم ذكره من اسم الله والمعنى: يهديهم إلى صراطه صراطاً مستقيماً. كما قال: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله وإن حملت صراطاً على أنه لما قال: ويهديهم إليه دل هذا الكلام على انه قال: يعرفهم فنصب صراطاً على أنه مفعول لهذا الفعل المضمر والأول أشبه. ومن ذلك قوله: ديناً قيماً يحتمل ثلاثة أوجه: أحدهما: أنه لما قال: وإن شئت نصبته على اعرفوا لأن هدايتهم إليه تعريف لهم فحمله على اعرفوا. وديناً قيماً إن شئت حملته على الإتباع كأنه قال: اتبعوا ديناً قيماً والتزموه كما قال: ابعوا ما أنزل إليكم من ربكم. ومن ذلك قوله تعالى: قال أبو علي: وجه الجر في ولؤلؤ أنهم يحلون أساور من ذهب ومن لؤلؤ أي منهما. وهذا هو الوجه لأنه نصب فقال: فإن قلت: فقد قال الله تعالى: ويحتمل النصب وجهاً آخر وهو أن تحمله على موضع الجار والمجرور لأن موضعهما نصب. ألا ترى أن معنى يحلون فيها من أساور: يحلون فيها أساور فتحمله على الموضع. وقيل في قوله: وقد ذكرنا ما في هذا في حذف الموصوف. ومن الحمل على المعنى قوله: فمن بدل بعد ما سمعه والمتقدم ذكر الوصية ولكن معناه الإيصاء أي: من بدل الإيصاء. كقوله: ومن ذلك قوله تعالى: مالي لا أرى الهدهد وما لنا لا نرى رجالاً لما كان المعنى في قولك: ما لي لا أراه وما لنا لا نراهم أخبرونا عنهم صار الاستفهام محمولاً على معنى الكلام حتى كأنه قال: أخبروني عن الهدهد أشاهد هو أم كان من الغائبين وكذلك الآية الأخرى فيمن وصل الهمزة ولم يقطعها في قوله: أتخذناهم سخرياً. وكما استقام الحمل على المعنى في هذا النحو كذلك حمل الآية عليه فيما ترى أنه مذهب أبي الحسن. يعني قوله: ومن ذلك قوله: من منصوب الموضع حملاً على المعنى لأن معنى جعلنا لكم فيها معايش: أعشناكم وكأنه قال: وأعشنا من لستم له برازقين. ويجوز أن يكون من مبتدأ والخبر مضمر. والتقدير: ومن لستم له برازقين جعلنا لكم فيها معايش. ومن ذلك ما قال سيبويه: قال: سألت الخليل عن قوله تعالى: ومن ذلك قوله: من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة فيمن قرأ بالنصب لأنه إنما ينصب إذا كان السؤال على القرض لو كان: أيقرض زيد فيضاعفه عمرو. وفي الآية السؤال عن المقرض لا عن الإقراض ولكنه حمل على المعنى فصار السؤال عن المقرض كالسؤال عن الإقراض. ومن ذلك قوله: ومن الحمل على المعنى: ويجوز أن يكون الجواب فلا تخضعن دون لستن ولستن أوجه. ومن ذلك قوله: ومن ذلك قوله: لأن معنى: من رب السموات: لمن السموات فقال: لله حملاً على المعنى. كما أن من قال في الأول وهو رواية العباس وأبي عمرو سيقولون الله حمل قوله: لمن الأرض على المعنى كأنه قال: من رب الأرض فقال: الله. ومثله: ولو حمل على اللفظ لقال: أن أكون من الهازئين. وأما قوله تعالى: فقد قال في التذكرة: إنه محمول على ما قبله من المصدر والمصدر مفعول له وهو: يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً أي: للغرور. وغرورهم على ضربين: إما أن يغري بعضهم بعضاً أو يغروا جميعاً من يوسوسون له ويوالونه ممن لا يؤمنون. فتقديره: للغرور ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون. والضمير في إليه لزخرف القول. أو لوحيهم أو ليرضوه. ولا يكون أن تحمله على الأمر على قوله: واستفزز من استطعت لثبات الألف في الفعل وليست بفاصلة فتكون مثل السبيلا. فإذا كان كذلك لم يتجه إلا على هذا الذي ذكرنا أو على قول أبي الحسن مع أن ذلك عزيز غامض ما علمته مر بي إلا هذا البيت الذي أنشده فيه. قال وللقائل أن يقول: إن المقسم عليه محذوف مضمر كأنه: أي: قلت: بالله لتشربن أو لتقتمحن جميع ما في الإناء فحذف لتقتمحن لدلالة الحال عليه ولأن ما في الكلام من قوله: لتغني عني وإن أجاز ذلك فيه لم يكن فيه حجة. قلت: الذي قال بلام الأمر في الآية هو الجبائي ولم ينظر إلى إثبات الألف ولم يعلم أن قوله لا ترضاها وأخواته من الضرورة كأنه استأنس بقراءة زبان: لا تخاف دركاً ولا تخشى. فزعم الفارسي أن ذاك للفاصلة كالظنونا والسبيلا وليس قوله: ولتصغى فاصلة. ومن ذلك ما ذهب إليه أبو علي في قراءة أبي عمرو في نصبه ويقول الذين آمنوا فزعم أنه محمول على قوله: فعسى الله أن يأتي بالفتح. وأنت لا تقول: فعسى الله أن يأتي بأن يقول الذين آمنوا ولكن حمله على المعنى لأن معنى: فعسى الله أن يأتي بالفتح و فعسى أن يأتي الله بالفتح واحد. وجوز أن يكون بدلاً من قوله أن يأتي. أجزنا في قديماً أن يكون محمولاً على الفتح أي: وأن يأتي بالفتح ويقول المؤمنون. كما قال الخليل في قوله تعالى: أو يرسل رسولاً أنه محمول على الوحي. وكرواية هبيرة فنجي بالنصب. حملاً على نصرنا من قوله: جاءهم نصرنا فنجي. ومن ذلك قوله: أنا خير منه. ومنه: وهذا النحو كثير. ألا ترى أن سيبويه قال في قولهم: ألست أتيتنا فتحدثنا - بالرفع والنصب - فحمل مرة على اللفظ وأجاز النصب وعلى المعنى فمنع النصب إذ معناه الإثبات. ولهذا جاء: أليس منكم رجل رشيد بخلاف قوله: ألست بربكم قالوا بلى. فجاء الاختلاف في الآيتين كما جاء الرفع والنصب في المسألة فحمل مرة على الإثبات وأخرى على النفي. ومن ذلك قوله: يا حسرة على العباد إن اللفظ لفظ النداء والمعنى على غيره. كما أن قوله: اغفر لنا أيتها العصابة اللفظ على النداء والمعنى على غير النداء إنما هو الاختصاص. قال أبو علي: مثل ما يكون اللفظ على شيء والمعنى على غيره قولهم: لا أدري أقام أم قعد ألا ترى أن اللفظ على الاستفهام والمعنى على غيره. وكذلك قولهم: حسبك اللفظ لفظ الابتداء والمعنى على غيره. وكذلك قولهم: اتقى الله امرؤ فعل خيراً يثب عليه اللفظ لفظ الخبر والمعنى معنى الدعاء. وكذلك: فليمدد له الرحمن مداً. وإلى هذا النحو ذهب أبو عثمان في قولهم: ألا رجل ظريف فقال اللفظ لفظ الخبر والمعنى معنى التمني. وليس هذا بسائغ لأن الكلام قد دخله ما منع هذا المعنى ألا ترى أن هذا ارتفع بالابتداء وقد دخل الكلام من المعنى ما أزال معنى الابتداء ألا ترى أن معنى الطلب قد أزال معنى الابتداء من حيث جرى مجرى: اللهم غلاماً أي: هب لي. وكذلك قولك: ألا رجل بمنزلة قوله: هب لي وألا آخذ وألا أعطي ونحو ذلك. فإذا دخل هذا المعنى أزال معنى الابتداء وإذا زال معناه لم يجز ارتفاعه بالابتداء لمعاقبة هذا المعنى له وإذا عاقبه ذلك وأزاله لم يجز أن يرتفع أفضل بأنه خبر لبطلان كون الأول أن يكون
والفصل بين الصلة والموصول وهو من باب لطائف الصناعة لأنهم زعموا أن أن موصولة وحذف الموصول وإبقاء صلته منكر عندهم ومع ذلك فقد جاء في التنزيل. فمن ذلك قوله تعالى: قالوا: التقدير: بأن لا تعبدوا إلا الله فلما حذفت أن عادت النون. وكذلك قوله: لا تسفكون دماءكم. تقديره: بأن لا تسفكوا دماءكم فحذفت أن وعادت النون. قالوا: ومثله قولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه أي: أن تسمع. ومن ذلك قوله تعالى: وإن شئت كان التقدير: بعد أن آمنوا وشهدوا فتضع المصدر موضع أن ليصح عطف شهدوا عليه. ومن ذلك قوله تعالى: ومن ذلك قوله تعالى: قل أفغير الله يأمروني أعبد أيها الجاهلون فقال تأمروني لغو كقولك: هذا يقول ذاك بلغني فبلغني لغو وكذلك ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى قال: س: غير منصوب بأعبد على القول الأول وعلى القول الثاني بتأمرني. ولا يجوز انتصابه بأعبد لأن أعبد في صلة أن وغير قبله ولا يعمل ما في الصلة فيما قبل الموصوف. فا: يؤكد أنهم يراعون الحال الأولى بعد حذف أن ما روى أبو عثمان المازني عن قطرب: أحضر الوغى بنصب أحضر. قال أبو سعيد: أجود ما يقال فيه ما ذكر سيبويه عن الخليل وهو نصب غير بأعبد وتأمروني غير عامل كما تقول: هو يقول ذلك فيما بلغني وزيد قائم ظننت كأنك قلت: هو يقول ذاك فيما بلغني وزيد قائم فيما ظننت. قال: وقال سيبويه: وإن شئت كان بمنزلة: ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وهو ضعيف لأنه يؤدي إلى أن يقرر أعبد بمعنى: عابداً غير الله وفيه فساد. والذي عليه الناس هو الوجه الأول الذي ذكرناه. قد قال سيبويه هذا الكلام هاهنا وقال في الباب المترجم عنه ما يكون فيه إلا وما بعده وصفاً ولا يجوز أن تقول: ما أتاني إلا زيد وأنت تريد أن تجعل الكلام بمنزلة مثل إنما يجوز ذلك صفة ثم قال: ولا يجوز أن يكون رفع زيد على إضمار: إلا أن يكون زيداً لأنك لا تضمر الاسم الذي هذا من تمامه لأن أن يكون اسماً وما بعده صلة له. ويجوز في الآية الأولى حذف أن ولم يجوزه في الفصل الثاني. وأبو إسحاق تكلم على الآية أعني قوله: أفغير الله تأمروني ونقل كلامه أبو علي في الإغفال وأراد أن يتكلم عليه فبيض الموضع. وهذا كلام أبي إسحاق: أفغير منصوب بأعبد لا بقوله تأمروني. المعنى: أفغير الله أعبد أيها الجاهلون فيما تأمروني. ولوكان أبو العباس حين تتبع سيبويه وتكلم بمثل هذا الكلام البارد الذي لا يخدش شيئاً من كلامه وتتبعه على هذا الوجه وتكلم بمثل هذا الكلام وفصل بين الموضعين. كان أحق وأجدر. وقد ضمنت هذا الكتاب مثل هذا الفصل فصولاً أخر تقدم بعضها وأنت بصدد الثاني فاحفظها. قال الشيخ: ومما يحمل على إضمار أن في التنزيل قوله تعالى: فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب فأن مضمرة وهي مع الفعل في تقدير المصدر معطوف على خزي. ومثله: مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض أي: ثم كفر بعضكم ببعض يوم القيامة فأضمر أن ومثله: ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أي: ويوم القيامة رؤية الذين كذبوا على الله لأن قبله أن تقول و: أو تقول. وقد قال أبو علي في قوله تعالى: ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا يجوز أن تقدر حذف أن كأنه: لا تحسبن الذين كفروا أن سبقوا فحذفت أن كما حذفتها في تأويل سيبويه في قوله: أفغير الله تأمروني. قال: وحذف أن قد جاء في غير شيء من كلامهم. قال: وإن كبيراً لم يكن رب علبة لدن صرحت حجاجهم فتفرقوا أي: لدن أن صرحت. وأثبت الأعشى في قوله: أراني لدن أن غاب رهطي كأنما يراني فيكم طالب الضيم أرنبا وقد حذفت من الفعل وبنيت مع صلتها في موضع الفاعل. أنشد أحمد بن يحيى لمعاوية بن خليل النصري: وما راعني إلا بشير بشرطه وعهدي به فينا يفش بكير فإذا وجهه على هذا سد أن مسد المفعولين. كما أن قوله: أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا فقال: هذا كلامه في الآية من الحجة. وإن شئت فاسمع كلامه في موضع آخر قال: ومما يمكن أن يكون انتصابه على أنه مفعول به على الاتساع وكان في الأصل ظرفاً قوله: أياماً معدودات في قوله: وإن شئت اتسعت فنصبته نصب المفعول به فتقول على هذا: مكتوب أياماً عليه. ولا يستقيم أن ينتصب أيام بالصيام على أن يكون المعنى: كتب عليكم الصيام في أيام لأن ذلك وإن كان مستقيماً في المعنى فهو في اللفظ ليس كذلك ألا ترى أنك لو حملته على ذلك فصلت بين الصلة والموصول بالأجنبي منهما وذلك أن أياماً تصير من صلة الصيام وقد فصلت بينهما بمصدر كتب لأن التقدير: كتب عليكم الصيام كتابة مثل كتابته على من كان قبلكم فالكاف في كما متعلقة بكتب وقد فصلت بها بين المصدر وصلته وليس من واحد منهما. فإن قلت: أضمر الصيام لتقدم ذكر المتقدم عليه كأنه صيام أياماً فإن ذلك لا يستقيم لأنك لا تحذف بعض الاسم ألا ترى أنه قد قال في قوله: وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان أنه لا يكون على: أن لا يكون الفرقدان لحذفك الموصول وكذلك الآية. وإذ قد عرفت هذا وتبينت أن المصدر وأن مع ما بعده عندهم بمنزلة واحدة وأنهما كليهما موصول لأن فلا بد وأن نعد لك الآي التي وردت فيها المصادر وظاهرها فصل بينها وبين صلاتها بمنزلة أن والحديث ذو شجون. فمن ذلك قوله تعالى: قال أبو علي: وإن كان حجتنا بدلاً فآتيناها خبره وعلى متعلق بمحذوف كقوله: إذ تدعون إلى الإيمان. وكذلك إن جعلت حجتنا خبراً فإن جعلت آتيناها في موضع الحال على: حجة آتيناها وإضمار قد جاز أن يكون متعلقاً بحجة لأنه لها فصل. قال عثمان: قلت لأبي علي في قول الله تعالى: والفصل بين الموصول والصلة لا يجوز بالظرف ولا غيره ألا ترى أنك لو قلت أعجبني ضربك يوم الجمعة زيداً فعلقت يوم الجمعة بأعجبني لا بالضرب لم يجزه أحد وإنما المتجوز بالفصل الفصل بالظرف ما كان بين الفعل وفاعله نحو: كان فيك زيد راغباً ونحو قوله: فإن بحبها أخاك مصاب القلب جم بلا بله وأما ما ذهب إليه أبو علي فيما حكينا عنه فلا والله أعلم. وقال أبو علي في موضع آخر: ففي هذا دلالة على وقوع مثال الماضي حالاً وذلك أن آتينا لا تخلو من أن تكون صفة أو جملة متبعة جملة على حد: هم فيها خالدون أو حالاً ولا تكون صفة أم حجتنا معرفة ولا تكون على حد هم فيها خالدون وثلاثة رابعهم كلبهم لأنك إن جعلته على ذلك فصلت بين الصلة الموصول بالأجنبي فإذا امتنعتا ثبت أنه واقع موقع الحال إذا كانت حالاً لم تفصل بين الصلة والموصول وكانت على ذلك متصلة بالمصدر الظاهر الذي هو حجتنا. فإن قلت: فلم لا تكون على قول أبي الحسن في نحو: أو جاءكم حصرت أن يكون على تقدير: أو جاءوكم قوم حصرت ولا يكون على قوله: أو جاءوكم قوماً قد حصرت فإن ذلك لا يكون على حذف الموصوف كما يكون قوله: أو يكون جاءوكم قوماً حصرت لأنك على هذا تحذف الموصول وتبقي بعض صلته. وقد قال سيبويه: إن ذلك لا يجوز فيه. وأما قوله تعالى: إن ويجوز أن يتعلق يوم بكتاب. وأما قوله تعالى: فإن قوله من الله صفة فيها ذكر من الموصوف وكذلك إلى الناس ولا يكون من صلة أذان لأنه اسم وليس بمصدر. ومن أجرى هذا الضرب من الأسماء مجرى المصادر فينبغي ألا يتعلق به هذا الجار ألا ترى أن المصدر الذي هذا منه لا يصل بهذا الحرف كما يصل قوله: براءة من الله به لقوله: برئت إلى عرينة من عرين و: إذا تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا. فأما قوله: يوم الحج الأكبر فيجوز أن يتعلق بأذان لأنك تفصل بين الصلة والموصول بالصفة ولا بد من تقدير الجار في قوله إن الله أي بإن الله لأن الله بريء من المشركين لا يكون الإعلام كما يكون الثاني الأول في نحو: خبر له أنك خارج. وأما قوله في: ومثله في جعل المن عطاء قوله تعالى: ومثله: وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله. وتقدير تستكثر: أي: مقدراً فيه الاستكثار وجزم تستكثر على هذا يبعد في المعنى لأنه يصير: إن لا تمنن تستكثر وليس المعنى على هذا. وقد أجاز أبو الحسن نحواً من هذا اللفظ وإن لم يكن المعنى عليه. وأما قوله تعالى: فالظرف. أعني في الصدقات. متعلق بمطوعين أو يلمزون أي: ويعيبون في إخراج الصدقات لقلتها ولا يكون الذين يلمزون بدلاً من من في قوله: ومنهم من يلمزك في الصدقات لأن هؤلاء غيرهم في وضع الصدقات. وأما قوله: وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل فعلى من صلة وتمت دون الكلمة وإن كانت الكلمة بمعنى النعمة لأنها وصفت بالحسنى وكما يتعلق على بحقت في قوله: حقت كلمة العذاب على الكافرين وكذا هاهنا. وأما قوله: وأما قوله تعالى: فإن قلت: فقد جاء ولا يكتمون الله حديثاً فإنه يجوز أن يكون التقدير: إن أحوالهم ظاهرة وإن كتموها. كما قال: ويجوز أن تنصب عند لتعلقه بشهادة. فإذا فعلت ذلك لم يتعلق بمن الله لأنه لا يتعلق به ظرفان. وإن جعلت عنده صفة أمكن أن يكون من الله حالاً عما في عنده فإذا كان كذلك وجب أن يتعلق بمحذوف في الأصل والضمير العائد إلى ذي الحال هو الظرف. هذا كلامه وقد منع من تعلق الظرفين بالمصدر وهذا يجوز في الظرفين المختلفين وإنما الكلام في المتفقين وقد بيناه في الاستدراك. وأما قوله: فلا يخلو قوله إذ تدعون من أن يتعلق بلمقت الله ولا يجوز أن يتعلق بقوله مقتكم لأنهم مقتوا أنفسهم في النار وقد دعوا إلى الإيمان في الدنيا. ولا يتعلق بالمبتدأ لأنه أخبر عنه بقوله أكبر من مقتكم والموصول لا يخبر عنه وقد بقيت منه بقية والفصل بين الصلة والموصول غير جائز. وأما قوله تعالى: إنه على رجعه لقادر. يوم تبلى السرائر إن جعلت الهاء للكافر على معنى: إنه على إحيائه لقادر لم يجز أن يتعلق يوم تبلى السرائر بقوله رجعه لأن قوله لقادر في موضع الخبر لإن وقد فصل بين المصدر وما يتعلق به ولكن ينتصب بمضمر يفسره رجعه أي: يحييه يوم تبلى السرائر. ويجوز أن يجعل يوم بمعنى إذا فيعمل فيه مدلول إذا: فما له من قوة ولا ناصر كقوله تعالى: يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه. ألا ترى أن مدلول الفاء يعمل في يوم ندعو. ومثله: ومثله: ولا يجوز أن يتعلق بقوله لقادر لئلا يصغر المعنى لأن الله قادر يوم تبلى السرائر وغيره في كل وقت وعلى كل حال على رجع النشور. قال أبو علي في الإغفال في قوله: أياماً معدودات قولاً يخالف ما حكينا عنه في الحجة قبل وهو أنه قال: يجوز أن يجعل أياماً متعلقاً بالصيام دون كتب وكانت الكاف في موضع النصب حالاً من فاعل الصيام الا ترى أنه لا يستقيم: كتب عليكم أن تصوموا مشابهين الكتابة فهذا من جهة المعنى. ويصح كونه حالاً من الصيام على تقدير: كتب عليكم الصيام مثل ما كتب الصيام على من قبلكم أي كتب الصيام مشابهاً كتابته على الذين من قبلكم. فالصيام لا يشبه الكتابة وحق التشبيه أن تشبه كتابة بكتابة أو صيام بصيام فأما أن يشبه الصيام بالكتابة فليس بالوفق إلا أن يدل اشتباه الصيام بالكتابة من حيث كان كل واحد منهما مراداً وإن لم يكن الآخر. وهذا مما يدلك على أن حمل كما على أنه منصوب بكتب أوجه وأبين من أن تجعله متعلقاً بالصيام ولا يجوز في كما أن يكون صفة لمصدر كتب الذي دل كتب عليه في قول من جعل أياماً معمول الصيام لأنه يفصل بين الصلة والموصول بما هو أجنبي منهما وما عمل فيه شيء. وأما قوله تعالى: وأما قوله تعالى: فقالوا: ولا يحتاج هنا إلى إضمار فعل آخر كما احتجت إليه في قوله: وقائلة تخشى علي أظنه ولأن تخشى وصف وإذا وصفت اسم الفاعل لم ينبغ أن يعمل. فأما الذين فموضعه رفع وقال: زيداً اضربه نصب ألا ترى أنك تنصب: زيداً قال له خيراً كما تقول: زيداً اضربه. وليس الرفع بمختار في قول أحد فيه لأنه لا وجه للرفع على ذلك. وأما قوله تعالى: وقال قوم: بل التقدير: جزاء سيئة والجملة في موضع خبر قوله: والذين كسبوا. فأما قوله تعالى: والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى قال أبو علي: يحتمل عندي قوله أحوى ضربين: يجوز أن يكون حالاً للمرعى كأنه: والذي أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء أحوى ولا يكون فصلاً بين الصلة والموصول لأن أحوى في الصلة وقوله فجعله أيضاً معطوف على الصلة وتقديم بعض الصلة على بعضها غير جائز فإذا حملته على هذا كان وصفه بالحوة إنما هو لشدة الري ولإشباع الخضرة كأنه أسود على هذا قوله: مدهامتان وإن كان هذا لا يقع من الوصف بالحوة لأنه أذهب في باب السواد. وإن جعلت أحوى صفة لغثاء كان المراد به السواد لا الخضرة التي في الري أنها سواد ولكن بالقدرة أخرج المرعى فصار غثاءً أسود ليبسه وأما ما ذهب إليه علي بن عيسى في قوله: إلا من شهد بالحق وهم يعلمون إلى قوله وقيله من أن قوله وقيله فيمن جر معطوف على الجار والمجرور أعني وجداً للفصل بين الصفة والموصول بما تراه من الكلام. وأما قوله: سلام هي حتى مطلع الفجر فإن حتى متعلق إما بفعل مضمر يدل عليه سلام أو بقوله تنزل الملائكة. فإن قلت: فإذا كان متصلاً بقوله تنزل فكيف فصل بين العامل والمعمول بالجملة التي هي سلام فإن ذلك لا يمتنع لأمرين: أحدهما: أن هذه الجملة ليست بأجنبية ألا تراها تتعلق بالكلام وتسدد. والآخر: أن تكون في موضع حال من الضمير في قوله تنزل الملائكة والروح فيها مسلمة فهذا لا يكون فصلاً على هذا الوجه الآخر. وأما إذا لم تحمله على هذا وجعلت حتى متعلقاً بفعل مضمر فلا يخلو من أن يتعلق بهي أو سلام فلا يتعلق بهي لأنه لا معنى فعل فيه ولا يجوز أن يتعلق أيضاً بسلام لأنك تفصل حينئذ بين الصلة والموصول بالمبتدأ ألا ترى أن سلاماً مصدر فإذا لم يجز هذا أضمرت ما يدل عليه سلام فكأنك قلت: تسلم حتى. فإن قلت: فلم لا تضمر فعلاً بعد هي مما يتعلق به ويكون المبتدأ الذي هو هي قد أخبر عنه بأنه سلام وأنها حتى مطلع الفجر مثل: حلو حامض كأنه أراد أن يعلم أنه سلام وأنه إلى هذا الوقت فإن الإفادة بأنها إلى مطلع الفجر ليست بحسنة لأن ذلك قد علم من غير هذا المكان فإذا كان كذا حملناه على باب إذ تدعون إلى الإيمان ولهذا لم نجعل حتى خبر هي وسلام لهي آخر ولأنه إذا لم يكن من باب حلو حامض فلا يكون من باب: هو قائم أولى وإن جعلت هي فاعل سلام وحتى في موضع الخبر فهو وجهه. قال عثمان: لا يلزم إذا جعلت حتى متعلقة بسلام أن تكون فصلت بينهما بهي لأن سلاماً في موضع: مسلمة وأنشد: فهلا سعيتم سعى عصبة مازن وهل كفلائي في الوفاء سواء وأما قوله تعالى: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أومن وراء حجاب فينبغي أن يكون قوله أو من وراء حجاب إذا جعلت وحياً على تقدير: أن يوحي - كما قال الخليل - لما لم يجز أن يكون على أن الأولى من حيث فسد في المعنى يكون من وراء حجاب على هذا متعلق بفعل محذوف في تقدير العطف على الفعل الذي يقدر صلة لأن الموصولة بيوحى ويكون ذلك الفعل: يكلم وتقديره: ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا أن يوحى إليه أو يكلم من وراء حجاب فحذف يكلم لجري ذكره أولاً كما حذف الفعل في قوله: وأما من رفع فقال: أو يرسل رسولاً فينبغي أن يكون قوله أو من وراء حجاب متعلقاً بمحذوف ويكون الظرف في موضع حال لأن قوله إلا وحياً على هذا التقدير مصدر في موضع الحال كأنه يكلم الله إيحاء أي: موحياً كقولك: جئت ركضاً و مشياً ويكون من في قوله من الصالحين بعد قوله ويكلم الناس في المهد وكهلاً فهذا موضع وقعت فيه من ظرفاً في موضع الحال كما وقع سائر حروف الجر ومعنى أو من وراء حجاب في الوجه الأول: يكلمهم غير مجاهر لهم بالكلام أي: يكلمهم من حيث لا يرى سائر المتكلمين ليس أنه هناك حجاب يفصل موضعاً من موضع. وأما قوله تعالى: ومن ذلك قوله تعالى: فقوله بعد: ونظير هذا أما قوله: أو يتوب عليهم. فزعم أنه لا يكون عطفاً على ما تقدم من ألا يفصل بين الصلة والموصول بقوله: ليس لك من الأمر شيء ولكن النصب على إضمار أن بعد أو. ونعني بالموصول قوله: بشرى لكم لأن اللام من قوله ليقطع متعلق به وقوله: وما النصر اعتراض. فهذه آي وردت فيها يقول النحويون من امتناع الفصل بين الصلة والموصول ولا نرى منها حرفاً في كتبهم والحمد لله الذي هدى لهذا.
|